الصفحات

الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

ماهية البيانات الواجب توافرها في الحكم

ماهية البيانات الواجب توافرها في الحكم

بحث من إعداد فضيلة القاضي العلامة
الدكتور محفوظ عمر خميس
عضو المكتب الفني
عضو المحكمة العليا للجمهورية اليمنية

البيانات الواجب توافرها في الحكم

يتولى القضاء إقامة العدل بين الناس بتقرير حكم القانون فيما يرفع إليه من منازعات وهو في ذلك يجب أن يكون بمنجاه عن كل المؤثرات التي تنبعث من خارج الوقائع المعروضة عليه فإذا تحقق ذلك تحققت نزاهة القضاء وكان موضع الثقة والاحترام.
لقد تم إطلاعي على نماذج عديدة من قرارات المحكمة العليا بشأن الطعون بالنقض ضد أحكام المحاكم الأدنى درجة ولاحظت العديد من الأحكام والقرارات مطولة دون مراعاة البيانات الواجب توافرها في أحكام القضاة، إلا أن بعضها الآخر الإسهاب آو التطويل فيها له ما يبرره قانونا، عموما أحكام المحاكم أو القضاة قد تكون طويلة أو قصيرة وفي كلتا الحالتين لابد أن يتضمن الحكم عدة بيانات فإن لم يتضمنها اعتبر باطلا، وإسهاب القضاة في بعض الأحكام الصادرة عنهم قد تكون إما لأن الدعوى المرفوعة أمامهم من عدد كبير من المدعين أو عدد كبير من المدعي عليهم ولدى الجميع أدلة وبيانات وشهود كثيرون يعمل القاضي على تلخيصها وتحديد موقفه منها ووضع استنتاجاته في الحكم ، وقد تثار عده دفوع أو طلبات عارضة يلخصها القاضي في حكمه كون القرار فيها مثلا مع الحكم الفاصل في الدعوى ويوضح في المحصل ما قام به من إجراءات وما اتخذه من قرارات بصددها وأحيانا تثار في مرافعات الخصوم نقاط قانونية عديدة يعمل القاضي على استعراضها في الحكم وتحديد رأيه حولها باعتبار أن قراره هو الفيصل في الموضوع كما قد يعمل القاضي على الاستناد على عدد من المراجع الفقهية والشروحات القانونية لبعض المسائل المثارة في المرافعات ويتوسع في استعراضها كما يجتهد في بعض الحالات أو يأخذ بأحد المراجع دون غيره أو يسترشد في حكمه بسوابق قضائية. فالاطالة وكثرة عدد صفحات الحكم ليس شرطا ولكن ذلك يختلف من حالة إلى أخرى وبحسب الأحوال لذا فالقضاة عندما يصيغون احكامهم فإنهم يسعون على منح الحماية القضائية للأفراد ويبحثون عن حكم الشرع أو حكم القانون لتقرير حل حاسم يزيل العوارض التي يثيرها تطبيق القانون في الحياة العملية. وهم يسعون لتطبيق القانون حيث لم يحترم تلقائيا وهو ليس هدفا بذاته بل مجرد وسيلة لتحقيق غرضا  آخرا وهو تحقيق الحماية القضائية التي تكمل الحماية القانونية فعمل القاضي هو حسم النزاع بين المتخاصمين والعمل القضائي لا ينشا إلا إذا وجد نزاعا قائما أمامه يحسم وفقا للاجراءات القانونية تكفل ضمانات كافية لأطراف الخصومة. ولهذا فان الأحكام الصادرة عنهم سواء كانت طويلة أو قصيرة تكون بطلبات المدعي كلها أو بعضها أو برفضها لصالح المدعي عليه، ويهمنا في هذه الدراسة المبسطة توضيح الإجابة على البيانات الواجب توافرها في الحكم وأهم هذه البيانات هو تحديد الأسباب للأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم في القضايا المنظورة أمامها بمعنى أن تكون الأحكام مشتملة على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة ويجب أن تكون الأسباب جدية ومحددة وكافية تؤكد وتطابق منطوق الحكم أو القرار، كما يجب أن لا تكون متناقضة مع بعضها البعض او مع منطوق الحكم أو القرار الذي قررته المحكمة لأن تحرير الحكم بالشكل الذي يفرضه القانون يمكن الخصوم وغيرهم من الحصول على صور رسمية منه .
ولا يختلف قانون المرافعات المدنية رقم (٤٢)لعام ١٩٨١م في المحافظات الشمالية آنذاك مع قانون الاجراءات المدنية رقم (٩) لعام ١٩٨٨م في المحافظات الجنوبية والشرقية آنذاك وكذلك قانون المرافعات رقم (٢٨ ) لعام ١٩٩٢م المعدل بالقانون رقم (٤٠ ) لعام ٢٠٠٣ م فإنها جميعا حددت بأن يتكون الحكم من أجزاء أربعة هي على التوالي:
المقدمة.
الوقائع.
الأسباب.
المنطوق.
راجع المواد (١٤٨، ١٥٢) من قانون المرافعات رقم (٤٢)لعام ١٩٨١م والمواد (٣٧٥، ٣٧٩) من قانون الإجراءات المدنية رقم (٩) لعام ١٩٨٨م
أما القانون رقم (٢٨) العام ٩٢م بشأن المرافعات المدنية والتنفيذ المدني في ظل دولة الوحدة الظافرة فقد نص في المادة (١٦٨) منه يجب أن يشتمل الحكم على بيان المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه ونوع ورقم الدعوى التي صدر فيها وأسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في المداولة وتوقيعاتهم وعضو النيابة إن كان وطلباته وأسماء الخصوم كاملة وصفاتهم وموطن كل منهم ومحصل النزاع وأدلة الخصوم وحججهم ودفوعهم وطلباتهم ثم تذكر الأسباب والأسانيد القانونية والمنطوق وتوقيع الكاتب وهيئة المحكمة.
وتعتبر بيانات الحكم مكملة بعضها لبعض والعبرة بما ذكر في الحكم لا بمحضر الجلسة ، وإغفال بيان من البيانات المذكورة أو النقص فيه إذا كان يؤدي إلى التجهيل بالقضية التي صدر فيها الحكم أو القضاة الذين اشتركوا في سماع المرافعة والمداولة أو بطلب النيابة أو بالخصوم. وكذلك القصور في الوقائع وعدم الرد على الدفاع الجوهري يجعل الحكم باطلا.
من هذا النص يتضح بجلاء أن بيانات الحكم يقوم أيضا على أربعة أركان أساسية:
(المقدمة -الوقائع - الأسباب - المنطوق ) ، وإغفال بيان من البيانات المذكورة أو النقص فيه يجعل الحكم باطلا.
إن هذه البيانات الموضحة في نص المادة (١٦٨) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (٢٨) لعام ١٩٩٢ م المعدلة بالمواد (٢٢٩)و(٢٣٠)و(٢٣١) من قانون المرافعات رقم (٠ ٤)لعام ٢٠٠٣ م يتفق مضمونها مع مضامين القوانين السابقة في مراعاة هذه الأركان الأربعة عند صياغة الأحكام والقرارات وأنه في تطبيقات المحاكم المختلفة يلاحظ عدم تقيد القضاة بها في أحكامهم وقراراتهم ويدخل في هذه المخالفة للقانون أيضا قضاة الدوائر بالمحكمة العليا حيث يكتفون فقط في قراراتهم بالركن الأول والثاني فيما يتعلق بالمقدمة والوقائع أما الركن الثالث الأسباب والأسانيد القانونية وكذا الركن الرابع المنطوق منهما معدومين ولا نجد لهما أثرا يذكر وهذه القرارات كثيرة ومتعددة صعب على القسم الأول في المكتب الفني استخراج أي مبدأ قانوني منها لوجود هذا النقص في القرارات الصادرة عن المحكمة العليا وليس الاشارة العابرة إلى النقص لغرض الإنتقاص من أعمال زملاؤنا ولكن نهدف من الإشارة إليها فقط للتذكير حتى تعم الفائدة للجميع لاسيما وأننا نهدف من خلال هذه الدراسة أن نوجه القضاة في المحاكم الأدنى درجة بالتقيد باحكام المادة (١٦٨) والمواد الأخرى المتعلقة بإصدار الأحكام والقرارات والمنصوص عليها في قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (٢٨) لعام ١٩٩٢ م المعدلة بالمواد من (٢٢٩) و (٢٣١) من قانون المرافعات الجديد رقم (٠ ٤)لعام ٢٠٠٣م.
وتسبيب الأحكام ومنطوق الحكم الجزء الثالث والرابع من بيانات الحكم هي من أعظم الضمانات التي فرضها قانون المرافعات على القضاة إذ هو مظهر قيامهم بما عليهم من واجب في تدقيق البحث وإمعان النظر في القضية المطروحة عليهم للتعرف على الحقيقة التي يعلنونها فيما ينفصلون فيه من أحكام وقرارات وبمراعاة هذه أي بالاشارة إلي الأسباب والأسانيد القانونية يرفعون ما قد يبدر على الأذهان من الشكوك والريب ويدعون الجميع إلى تصديق عدلهم مطمئنين خاصة عندما تكون أسباب الحكم واضحة لا غموض فيها ولا تقصير آو قصور.
إن تسبيب الأحكام التي تبنى عليها المحكمة النتيجة التي حكمت بها ليس إلا مظهرا آخر من مظاهر علنية أداء القضاة في أدق وختام مراحل هذا الأداء فهو عليه لضمير القاضي في اقتناعه وفي قضائية وليس أبلغ من ذلك في تهيئة وسائل التعرف والاطمئنان الى نزاهة القضاء وهذا التأصيل لحكمة تسبيب الأحكام أوفى من ردها إلى فكرة التظلم من الأحكام أو الطعن فيها وضرورة التمكين من تلمس الأسباب لذلك. إن الواجب يقع على المحكمة الأعلى درجة في أداء رسالتها على الوجه الأكمل لتباشر على الحكم المستأنف ضده أو المطعون ضده بحسب الأحوال وهذا الأشراف والرقابة تكون من الناحية الموضوعية ( الوقائع) إذا كان من قبل المحكمة الاستئنافية أو من الناحية القانونية من قبل دوائر المحكمة العليا للجمهورية. والمحكمة العليا للجمهورية وهي محكمة نقض وإقرار يقع عليها مباشرة الرقابة القضائية على صحة تطبيق القانون وتاويله كما هو معلوم. ولا يتأتى لا ذلك إلا عن طريق مراقبة صحة تسبيب الأحكام والقرارات وصحة منطوق هذه الأحكام والقرارات الصادرة من قبل المحاكم الأدنى درجة فهذا هو الوضع الصحيح لأعمال القضاة. إن التقيد من قبل جميع القضاة بهذه الضوابط المحددة في القانون تكون العدالة قد تحققت في أسمى صورها ومعانيها وتكون الأحكام الصادرة عنهم لها حجيتها نظرا لما تحمله من مظاهر الحقيقة مقتضاها إن الحكم يعتبر عنوانا للحقيقة فيما قضى به بحيث لا يجوز إهدار هذه الحقيقة في إي مجال ولدى أي جهة أو سلطة قانونية في الدولة. والمظهر الآخر للحكم القضائي النهائي البات هو وجود الصحة فيه ومقتضاها صدوره بناء على إجراءات صحيحة وأنه متى صار له مظهر الحكم وكيانه لا يجوز الادعاء ببطلانه مما يلزم تنفيذه طوعا وجبرا عند الاقتضاء ، وهذا سيكون موضوع البحث الثاني بشأن اشكاليات التنفيذ وأسباب عدم تنفيذ الأحكام النهائية والباتة الحائزة حجية الأمر المقضي فيه يتضمن فيه مقترحات عملية لتجاوز الصعوبات .