الصفحات

الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

الدفاع المشروع عن النفس والمال بحث متكامل مدعم بالنصوص القانونية وفقاً لقانون العقوبات اليمني


الدفاع المشروع عن النفس والمال


                     
إذا كان المبدأ العام أنه لا يجوز للفرد أن يستوفي حقه بيده ، أو يتولى حمايته بنفسه ، كون السلطة العامة هي وحدها المخولة قانوناً حماية الحقوق والحريات ، بحيث لا يجوز للشخص المعتدى عليه ان يقتص من المعتدي ، بل يجب عليه اللجوء الى السلطة القضائية المختصة للإدعاء وطلب المحاكمة والتحقيق والحكم والتعويض.

إلا أنه قد يصعب تطبيق هذا المبدأ في بعض الحالات الاستثنائية التي تفرض رد الاعتداء ، لتعذر الالتجاء السريع الى السلطات المختصة لتوفير الحماية التي تأتي عادة متأخرة.

لذلك أجاز المشرع للفرد الذي يتعرض لاعتداء حالّ ، وغير محق ، وغير مثار ،على النفس او المال ، أن يتولى ضمن شروط محددة، حماية مصالحه بنفسه ، وبالوسائل المتوافرة لديه، وان كانت هذه الوسائل تشكل في الأحوال العادية جرائم جزائية يعاقب عليها القانون.

فيجوز للمعتدى عليه أن يقتل إذا كان القتل لازماً وضرورياً لانقاذ حياته والاّ كان هو المقتول، أو أن يضرب إذا كان الضرب لازماً للدفاع عنه والاّ كان هو المضروب.

هذا الرد الذي يلجأ اليه المعتدى عليه لدفع الاعتداء الصادر عن الغير ، هو ما يسمى في لغة القانون بـ " الدفاع المشروع " المكرس  بالتفصيل في المواد 26 / 27 / 28 / 29  من قانون العقوبات اليمني ، إذ إن هذا الدفاع يعد ممارسة حق فرضه الظرف القائم.


 نصت  المواد 26 / 27 / 28 / 29 من قانون العقوبات اليمني على يلي " 

مادة (26) لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون أو قياماً بواجب يفرضه القانون، أو استعمالاً لسلطة يخولها

مادة (27) تقوم حالة الدفاع الشرعي إذا واجه المدافع خطراً حالاً من جريمة على نفسه أو عرضه أو ماله أو نفس الغير أو عرضه أو ماله، و كان من المتعذر عليه الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب، و يجوز للمدافع عندئذ أن يدفع الخطر بما يلزم لرده وبالوسيلة المناسبة.
حدود الدفاع الشرعي
مادة (28) : لا يبيح الدفاع الشرعي القتل العمد إلا إذا قصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع جريمة من الجرائم الآتية إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة :
1-القتل أو جراح بالغة إذا كانت الجراح على المدافع نفسه أو أحد أقاربه .
2- الشروع في الزنا أو اللواط بالقوة على المدافع أو زوجه وأي محرم له .
3-اختطاف المدافع أو زوجه أو ولده أو أحد محارمه بالقوة أو بالتهديد بالسلاح و يؤخذ في كل صور الدفاع الشرعي بالقرائن القوية فإذا دلت على ذلك فلا قصاص و لا دية و لا أرش .
مادة (29) : لا يجوز أن يبيح حق الدفاع الشرعي عن المال القتل العمد إلا إذا كان مقصوداً به دفع أحد الأمور الآتية :
1-جرائم الحريق العمد .
2- جرائم سرقة من السرقات الجسيمة .
3-الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته .

وقد عبرت المادة 30 عقوبات عن تجاوز حدود الإباحة بالنص كالاتي" 

تجاوز حدود الإباحة
مادة (30) : إذا تجاوز الشخص بإهماله حدود الإباحة أو الضرورة أو الدفاع الشرعي يعاقب على هذا التجاوز إذا كان القانون يجرمه بوصفة جريمة غير عمدية .





فما هي الشروط القانونية للدفاع المشروع ؟ (الفرع الاول) ، وما هو أثره أو مفعوله؟ (الفرع الثاني) وما هي صُوره الخاصة التي نص عليها قانون العقوبات ؟(الفرع الثالث) وماهي حدود الإباحة  للدفاع الشرعي بالقتل والقيود الواردة عليه ( الفرع الرابع )



الفرع الاول. – الشروط القانونية للدفاع المشروع

كرّس المشرع اليمني الدفاع المشروع في المواد 26 الى 29 من قانون العقوبات اليمني كسبب من أسباب التبرير او الإباحة  التي تمحو الصفة الجرمية عن الفعل بحكم القانون، وتزيل بالتالي كل مسؤولية مدنية وجزائية ، لأن الفاعل يمارس في الواقع حقاً مشروعاً منحه إياه القانون، لدرء الأخطار التي تهدده عند استحالة اللجوء الى الأجهزة المختصة لاستيفاء الحق أو لمنع وقوع الضرر وذلك تغليباً لمصلحة المعتدى عليه على مصلحة المعتدي الذي أهدر حماية القانون وانتهك قواعده.

وقد اشترط المشرع اليمني توافر عدة شروط لممارسة حق الدفاع المشروع، يمكن تقسيمها الى نوعين ، النوع الاول يتعلق بفعل التعرض او الاعتداء ، والنوع الثاني يتعلق بنوع الدفاع .
 وهذا يعني أن الدفاع المشروع يتطلب تعرضاً من جانب المعتدي(الفقرة الاولى)، ودفاعاً من جانب المعتدى عليه ( الفقرة الثانية ).


  الفقرة الأولى -      شروط تتعلق بالاعتداء

        يبين من مراجعة المادة (27) عقوبات يمني أن شروط الاعتداء الذي يبرر الدفاع الشرعي تتمثل في التالي :
        1 - أن يكون هناك خطر بوقوع جريمة على النفس أو على المال
        2 - أن يكون الخطر حالا

     أولا /   وجود خطر بجريمة
        على النفس أو المال

        - عبرت المادة (27) عقوبات يمني عن هذا الشرط بقولها : " إذا واجه المدافع خطرا حالا من جريمة على نفسه أو على ماله أو نفس أو غيره أو ماله أو اعتقد قيام هذا الخطر وكان اعتقده مبنيا على أسباب معقولة ".
        - يكفي وجود الخطر : وجود اعتداء فعلي أمر غير لازم :
        لا يلزم لوجود الدفاع الشرعي أن يكون الاعتداء قد بدأ فعلا ، بل إنه يكفي وجود خطر يدل على أن الاعتداء وشيك الوقوع . فالدفاع الشرعي قد شرع لدرء الاعتداء ولا يتصور أن يُطالب المجني عليه بالانتظار حتى يبدأ هذا العدوان ويصبح في وضع لا يسمح له بأن يمارس حقه في الدفاع .
        - لا دفاع بعد انتهاء الاعتداء :
        فالحق في الدفاع ينشأ منذ أن يظهر الخطر بالاعتداء إلى أن ينتهي هذا الاعتداء . فلا يجوز للمجني عليه أن يمارس حقا في الدفاع إذا انتهى الاعتداء الواقع عليه . ذلك أن الدفاع الشرعي لم يُشرع لكي يكون وسيلة للانتقام أو لكي يقيم كل شخص العدالة لنفسه ، بل إنه شرع لرد اعتداء قائم .
        - يلزم أن يكون الاعتداء مشكلا لجريمة :
        الدفاع الشرعي سبب من أسباب إباحة جريمة المدافع ، وهو لا ينتج هذا الأثر إلاّ إذا كان العدوان مشكلا لجريمة ، عندئذ يظهر صراع المصالح بين مصلحة المعتدي ومصلحة المدافع . في حله لهذا التصارع تُرجح مصلحة المدافع على مصلحة المعتدي .
        - لا دفاع ضد فعل مباح :
        لا يجوز ممارسة الدفاع الشرعي إذا كان الفعل مباحا ، أي لا يشكل جريمة أصلا ، كما في حالة الإباحة الأصلية ، كما لو كان الفعل يقع أصلا تحت طائلة التجريم. كما لا يجوز ممارسة الدفاع الشرعي ضد فعل يسري عليه سبب من أسباب الإباحة الاستثنائية : الدفاع الشرعي ، استعمال الحق ، أداء الواجب ... . فعندما يقوم الأب بتأديب ابنه ، فلا يجوز لهذا الأخير أن يدافع عن نفسه بممارسة العنف في مواجهة أبيه .

    ثانياً. /    شرط حلول الخطر

        - الأساس القانوني لهذا الشرط :

        يستند شرط حلول الخطر في الدفاع الشرعي إلى أن هذا الأخير شُرع لرد الاعتداء الذي لم يكن في وسع المعتدي أن يلجأ إلى السلطات العامة لتوقيه .
        - المقصود بهذا الشرط :
        يُقصد بهذا الشرط المعنى الآتي :
        - أن يكون الخطر قد بدأ بالفعل

        - يبقى الحق في الدفاع ما دام الخطر قائما
        - لا دفاع ضد الخطر المستقبلي
        - لا دفاع ضد الخطر الذي انتهى
        وسوف نوضح تلك المعاني فيما يلي من بيان :

        أولا - أن يكون الخطر قد بدأ فعلا :
        لا يقوم الحق في الدفاع الشرعي إذا لم يتعد الخطر مجرد تهديدات صدرت من المتهم بأنه سوف يقوم بارتكاب جريمة في مواجهة المجني عليه . هذه المرحلة من التهديدات لا تشكل سوى التفكير وربما التصميم على ارتكاب الجريمة ، بينما يُقصد بالخطر أكثر من مجرد التفكير أو التصميم أو حتى الأعمال التحضيرية. فيلزم أن يكون الأمر قد تعدى ذلك إلى مرحلة البدء في التنفيذ.
        ثانيا – يبقى الدفاع ما دام الخطر قائما :
        - إذا بدأ الخطر نشأ الحق في الدفاع ويستمر وجود هذا الحق ما دام الخطر مستمرا . وتقدير استمرار الخطر أو انتهائه أمر موضوعي تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام استخلاصها سائغا . ومحكمة الموضوع في ذلك تقدر ظروف الواقعة لتستخلص ما إذا كان الخطر قائما أم أنه انتهى . فمجرد سقوط السكين من المتهم وهو يحاول أن يطعن بها المجني عليه لا يعني زوال الخطر ما دام التقاطها من جانبه كان متاحا في ظروف الواقعة واضطر المجني عليه إلى استعمال العنف في مواجهة المعتدي حتى يمنعه من التقاط تلك السكين .

        ثالثا – لا دفاع ضد الخطر المستقبلي :
        إذا كان الخطر أكيدا ولكنه مستقبلي ، فإن ذلك لا يسوغّ للطرف الثاني أن يبادر إلى استعمال الدفاع ، ذلك أن من واجبه أن يلجأ إلى السلطات لكي يمنع هذا الخطر من الحدوث .
        رابعا – لا دفاع ضد الخطر الذي انتهى :
        - إذا انتهى الخطر لم يعد هناك محل لوجود الدفاع الشرعي . وينتهي الخطر في حالتين :
        الحالة الأولى- إذا تمكن المدافع من وقف الاعتداء
        - قد يتمكن المدافع من وقف الاعتداء إذا تمكن من انتزاع السلاح من يد المعتدي . فإذا توقف المعتدي عن المهاجمة ، فإن ذلك يدل على تمكن المدافع من إنهاء الخطر بوسيلة غير عنيفة. فلا يجوز له أن يستعمل السلاح في مواجهة المعتدي وإلاّ كان ذلك اعتداء .
        الحالة الثانية – إذا وقع الاعتداء بالفعل وانتهى
        - لا محل لوجود الدفاع الشرعي إذا كان العدوان قد انتهى بالفعل . تطبيقا لذلك قُضي بأنه " إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن المتهم كان يغازل فتاة فاستجارت بالمجني عليه فعنّف المتهم على مسلكه معها وضربه بعصا ، فاستل المتهم بعد ذلك مديته وطعن المجني عليه بها ، فليس في ذلك ما يثبت أن المتهم كان في حالة دفاع عن النفس ، بل فيه ما يفيد أن ما وقع منه بعد أن كان المجني عليه قد كفّ عن ضربه ولم يعد ثمة محل للتخوف منه ، إنما كان انتقاما ".
        وتتحدد لحظة انتهاء الاعتداء وفقا لطبيعة الجريمة . فإذا كانت جريمة وقتيه فإنها تتم في لحظة معينة وهي حدوث النتيجة إذا كانت من الجرائم ذات النتيجة المادية ، ومن لحظة وقوع النشاط في جرائم الخطر . والمعروف أن جريمة السرقة من الجرائم ذات النتيجة المادية وهي خروج المال المسروق من حيازة صاحبه ودخوله إلى حيازة الفاعل . فلا تنتهي حالة الدفاع الشرعي إذا خرج الفاعل وهو يفر بالمال المسروق من المنزل الذي دخله بقصد السرقة . وبالتالي لصاحب المنزل وكذلك لأي شخص آخر أن يمارس الحق في الدفاع الشرعي ضد هذا المال . يُضاف إلى ذلك ما هو مقرر لكل فرد من حق القبض على الشخص الذي ضبط في حالة تلبس بارتكاب الجريمة لتسليمه إلى رجال للشرطة. وإذا كانت الجريمة متتابعة ، كالضرب ، فلا تنتهي الجريمة إلاّ بانتهاء الضربات المتوالية . وفي الجريمة المستمرة لا تنتهي الجريمة إلاّ بانتهاء حالة الاستمرار . وذلك كله وفقا للقواعد العامة في الركن المادي في الجريمة.


        توجيه الخطر إلى النفس أو المال


        لا يقتصر مجال الدفاع الشرعي على الجرائم الموجهة إلى نفس المجني عليه أو ماله فقط ، بل يجوز لكل شخص آخر أن يمارس الدفاع الشرعي ولو لم تكن الجريمة موجهة إلى نفسه هو أو إلى ماله ، بل موجهة إلى نفس شخص آخر أو إلى ماله .
      

        - إذا توافرت شروط الاعتداء ، فإن ذلك لا يكفي للثبوت الحق في استعمال الدفاع الشرعي . بل إنه يلزم توافر شروط في الدفاع .


الفقرة الثانية  -  شروط الدفاع هذه الشروط تتمثل في شرطين : الشرط الأول؛ وهو شرط اللزوم والشرط الثاني وهو شرط التناسب .

        أولاً: شرط اللزوم
        المقصود بشرط اللزوم :
        يُقصد بشرط اللزوم أن يكون ارتكاب جريمة هو الوسيلة الوحيدة لدرء الاعتداء . ويؤكد ذلك أن استعمال هذا الحق هو من الصور الاستثنائية بعد التحري من عدم وجود طريقة اخرى لرد الاعتداء وأن الأصل هو القبض على المعتدي لتقديمه للعدالة او ابلاغ السلطات المختصة للقبض عليه، فإذا لم يتسن ذلك لوقف اعتدائه ، فإنه لا لوم على المجني عليه عندما يستعمل حقه في الدفاع الشرعي.
ومن ثم فان السؤال يطرح عن مدى لزوم ارتكاب الجريمة للدفاع .يلاحظ أنه اذا تعذر الدفاع بغير فعل دفاع فان الدفاع الشرعي يتحقق،أما اذا أمكن درء العدوان بفعل لا يعد جريمة فان الدفاع الشرعي ينتفي.وعليه فاذا أمكن لرجل الشرطة ايقاف اللصوص باطلاق الرصاص في الهواء فلا يجوز له اللجوء الى اطلاق النار عليهم طالما توجد وسيلة أخرى لايقافهم


        - النتائج القانونية المترتبة على شرط اللزوم :
        يترتب على اللزوم كشرط في الدفاع النتائج الآتية :
        1 – انتهاء العدوان يجعل الدفاع غير لازم :
        إذا وقع العدوان وانتهى لم يبق سوى القبض على المعتدي وتقديمه إلى العدالة . فإذا قام المجني عليه أو أقاربه أو أي شخص آخر بممارسة العنف في مواجهة المعتدي عندئذ ، فإن شرط اللزوم لا يكون متوافرا . ولا تكون حالة الدفاع الشرعي قائمة ، وتنعقد المسئولية الجنائية والمدنية للمجني عليه باعتباره معتديا
        2 – لا دفاع إذا تيسر اللجوء إلى السلطات العامة :
        - إذا كان الخطر مستقبليا فإن الدفاع يصبح غير جائز باعتبار أن الوقت لا يزال يسمح باللجوء إلى السلطات العامة لدرء احتمال وقوع الخطر . فليس هناك مسوغ إذن للدفاع . ذلك أن هذا الدفاع غير لازم .
        3 – يتوافر شرط اللزوم مع استطاعة هر ب المجني عليه :
        - إذا كان من المتيسر للمجني عليه أن يهرب من أمام المعتدي ، فإن ذلك قد يدل على أن الدفاع غير لازم . بيد أن ذلك تكليف بما لا يُطاق ، حيث تأبى كرامة المجني عليه أن يهرب من مواجهة العدوان . لذا فإن تلك المكنة ليس من شأنها أن تنفي توافر شرط اللزوم .

        أما إذا كان الهرب لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية ، فإن الدفاع لا يكون لازما . من ذلك أن يكون المعتدي صغيرا أو مجنونا . ويُثار التساؤل لو أن المعتدي امرأة : هل يعتبر الدفاع لازما لو في مواجهة امرأة معتدية أم أنه لا يشين الرجل أن يهرب أمام هذا النوع من المعتدين ؟ والحق أن الأمر يتعلق بمسألة موضوع يفصل فيها قاضي الموضوع بغير معقب عليه في ذلك مادام تسبيبه لما انتهى إليه يعتبر سائغا في القانون . والرأي عندنا أنه مما يشين المرء أن يهرب أمام امرأة معتدية وأنه وإن كان من المشين أن يبدأ الرجل بالاعتداء على المرأة ، إلاّ أنه من المشين أيضا بالنسبة للرجل أن يولي الأدبار أمامها .
        4 – لا يجوز توجيه الدفاع إلى غير المعتدي :

        - لا يكون الدفاع لازما إذا لرد العدوان إذا مارسه المدافع نحو شخص غير آخر غير المعتدي كأن يكون أحد أقاربه . فمن يهاجمه " كلب لا يجوز له أن يترك الكلب ويطلق النار على مالكه . ومن تدخل في أرضه دواب لا يجوز له أن يتركها ثم يوجه دفاعه إلى حائزها ".
        بيد أنه إذا قد يضطر المدافع إلى توجيه فعله نحو شخص غير المعتدي ، عندئذ يكون هناك محل لحالة الضرورة إذا توافرت شروطها. من ذلك أن تضطر المرأة التي تتعرض لخطر الاغتصاب إلى الخروج إلى الشارع وهي عارية بعد أن جردها المعتدي من ملابسها . فارتكابها لجريمة الفعل الفاضح هو من قبيل حالة الضرورة ولا يدخل في عداد الدفاع الشرعي . وبالمثل لو أن شخصا احتجز آخر في مكان لا يملك أن يبرحه فاضطر إلى السرقة حتى يقيم أوده ، فإن الأمر يتعلق بحالة الضرورة عندئذ .


        ثانياً: شرط التناسب
        المقصود بشرط التناسب :
        يُقصد بهذا الشرط أن يكون الدفاع متمشيا في مقدار جسامته مع الاعتداء، فلا يكون متجاوزا بشكل واضح فعل الاعتداء ، وبالتالي فإن ممارسة الدفاع يتعين أن يتم بالقدر اللازم لرد العدوان ، بلا زيادة . ومن ثم فإن شرط التناسب يُعد متخلفا إذا استعمل المجني عليه بندقية للرد على الاعتداء بعصا .
        - القواعد التي تحكم التناسب :
        للقول بتوافر التناسب أو عدم توافره يتعين الاهتداء بالقواعد التالية :
        1 – ينظر إلى الوسيلة التي استعان بها المجني عليه في رده على تلك التي استعان بها المعتدي . فاستعانة المعتدي بعصا لا تسوغ رد عدوانه ببندقية .
        2 – لا يشترط التماثل بين الوسيلتين : فإذا استعان المعتدي بعصا فإن ذلك ليس معناه ضرورة أن يستعين المجني عليه بعصا مثله ، بل له أن يستعين بسكين وخاصة إذا كانت العصا غليظة تشكل خطورة على المجني عليه ليس من السائغ أن يُطالب بتحملها وهو لا يملك عصا مثلها .
        3 – يؤخذ في تقدير التناسب بظروف الواقعة التي كان المجني عليه يتواجد فيها في أثناء العدوان عليه . فإذا لم يكن معه عصا لمقاومة المعتدي وليس في متناول يديه سوى سكين فإن لا حرج عليه إن هو استعان بالسكين لرد العدوان في حدود المقدار اللازم لذلك .
        4 – يؤخذ في الاعتبار الحالة الجسمية للمجني عليه في مقارنتها بتلك التي تخص المعتدي . فإذا كان المجني عليه صغيرا أو ضعيف البنية أو امرأة لا تقوى على مقاومة المهاجم ، ولم يكن أمامها سوى وسيلة السكين ، فإن ذلك لا يعتبر منها خروجا على شرط التناسب إن هي لم تجد من الوسائل الأخرى ما تقاوم بها عدوان المعتدي إلا تلك الوسيلة .
        5 – لا يتوافر شرط التناسب إذا كان عدم التناسب ظاهرا بين الوسيلتين . فإذا استعان المعتدي بعصا ، فإن ذلك لا يخول للمجني عليه أن يطلق النار عليه .
        - تجاوز الدفاع الشرعي :
        إذا أخلّ المجني عليه بشرط التجاوز ، فإن ذلك ينفي في مواجهته الحق في استعمال الدفاع الشرعي . بيد أنه لما كان هناك اعتداء أصلا قد وقع عليه ، وتوافرت كافة شروط الدفاع الشرعي الأخرى وتخلف شرط التناسب ، فإن المشرع قد قدر ظروف المجني عليه الذي خرج على حدود الدفاع الشرعي وقرر له عذرا مخففا للعقوبة عما وقع منه من فعل لم يعد يسري عليه سبب من أسباب الإباحة . فتنص المادة ( 30) عقوبات يمني على أنه " إذا تجاوز الشخص بإهماله حدود الإباحة أو الضرورة أو الدفاع الشرعي يعاقب على هذا التجاوز إذا كان القانون يجرمه بوصفة جريمة غير عمدية .




   الفرع الرابع -    القيود الواردة على استعمال الدفاع الشرعي

        على الرغم من توافر شروط الدفاع الشرعي ، ما يتعلق منها بالاعتداء أو بالدفاع ، فإن يرد على استعمال الحق في الدفاع الشرعي نوعان من القيود ؛ النوع الأول يتعلق بحالات يُحظر فيها استعمال الدفاع الشرعي ، والنوع الثاني يُقيد فيها الدفاع الشرعي بالقتل في حالات محددة على سبيل الحصر . وسوف نتعرض لهذين النوعين من القيود فيما يلي من بيان :


        حظر استعمال الدفاع الشرعي لمقاومة


        السلطات العامة

        - تبرير هذا الحظر :
        يجد هذا الحظر تبريره في رغبة المشرع في تمكين رجال السلطة العامة من القيام بأعمالهم ومنها القبض على المتهمين ، حتى ولو ارتكبوا في أثناء قيامهم بتلك الأعمال بعض الأخطاء القانونية كأن يقوم بالقبض أو التفتيش في غير الأحوال التي يسمح بها القانون . وبالتالي فإن الأمر يتعلق بدعوى الجمهور إلى التعاون معهم والتمسك بعد ذلك ببطلان أعمالهم أو مساءلتهم تأديبيا أو جنائيا .


        تقييد استعمال الدفاع بالقتل

        - حصرت المادة (28) عقوبات الحالات التي يجوز فيها الدفاع الشرعي بالقتل . بعض هذه الحالات تنتمي إلى حالات الدفاع عن النفس والبعض الآخر ينتمي إلى الدفاع عن المال .

        أولا - حالات الدفاع عن النفس التي تبيح القتل :
        - حددت المادة (28) عقوبات حالات الدفاع عن النفس التي تبيح القتل في التالي :
    
مادة (28) : لا يبيح الدفاع الشرعي القتل العمد إلا إذا قصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع جريمة من الجرائم الآتية إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة :
1-القتل أو جراح بالغة إذا كانت الجراح على المدافع نفسه أو أحد أقاربه .
2- الشروع في الزنا أو اللواط بالقوة على المدافع أو زوجه وأي محرم له .
3-اختطاف المدافع أو زوجه أو ولده أو أحد محارمه بالقوة أو بالتهديد بالسلاح و يؤخذ في كل صور الدفاع الشرعي بالقرائن القوية فإذا دلت على ذلك فلا قصاص و لا دية و لا أرش

        فإذا توافرت حالة من الحالات السابقة كان للمجني عليه أن يدافع عن نفسه وذلك بقتل المعتدي ، مادامت شروط الاعتداء وشروط الدفاع قد توافرت، فكان الخطر قائما ولم ينته والدفاع لازما . عندئذ يعتبر القتل متناسبا مع هذا النوع من الاعتداء . إذن فالأمر يتعلق بتقدير تشريعي للتناسب ، فبدلا من ترك تقدير ذلك الأمر الذي يتعلق بالحق في الحياة أراد المشرع التدخل لتحديد ذلك التناسب إذا وصل إلى حد قتل المعتدي .

        ثانيا – حالات الدفاع عن المال التي تبيح القتل :
        - حددت المادة (29) عقوبات تلك الحالات في التالي:
    
مادة (29) : لا يجوز أن يبيح حق الدفاع الشرعي عن المال القتل العمد إلا إذا كان مقصوداً به دفع أحد الأمور الآتية :
1-جرائم الحريق العمد .
2- جرائم سرقة من السرقات الجسيمة .
3-الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته .

        ثانياً: استعمال الحق


        - الأساس القانوني للإباحة في حالة استعمال الحق :
        يستند وجود هذا السبب من أسباب الإباحة إلى نص المادة (26)بقولها "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر  بمقتضى القانون أو قياماً بواجب يفرضه القانون، أو استعمالاً لسلطة يخولها.
        - تبرير الإباحة في حالة استعمال الحق .

        يرجع تبرير هذه السبب من أسباب الإباحة إلى حقيقة أنه لا يمكن أن يسمح القانون بعمل معين وفي نفس الوقت يعاقب على القيام به . فالفعل إذن مع أنه يشكل جريمة إلاّ أنه إذا توافرت حالة من الحالات التي يجعل القانون فيها حقا للفرد أن يقوم به ، فإن صفة التجريم ترتفع في هذه الحالة ، وهذا هو مؤدى الإباحة . فالزوج الذي يؤدب زوجته يستفيد من سبب من أسباب إباحة جريمة الضرب.
        - الشروط العامة لاستعمال الحق كسبب للإباحة :
        لكي يستفيد صاحب حق معين من الإباحة يتعين توافر شرطين:
        الشرط الأول – أن يكون الحق مقررا بمقتضى القانون أو الشريعة أو العرف : فقد يجد الحق مصدره في القانون كالحق في ممارسة العمل الطبي حيث يضع القانون شروط لممارسة العمل الطبي ، وقد تكون الشريعة الإسلامية مصدر هذا الحق كالحق في تأديب الزوجة ، وقد يرجع هذا الحق إلى ما تعارف عليه الناس مثل إباحة أعمال العنف في ممارسة الألعاب الرياضية .
        الشرط الثاني – حسن النية : الحقيقة أن من يقوم باستعمال الحق بطريقة متعسفة تتنافي مع حسن النية ، يخرج على الحدود التي تجد تبريرها في تحقيق غاية معينة لا يتمشى معها التعسف في الحق كاستعماله للإضرار بالغير .
        - تطبيقات على استعمال الحق كسبب للإباحة :
        لم تورد المادة (26) عقوبات حالات استعمال الحق ، تاركة هذا الأمر للقوانين المختلفة بل والأعراف بالإضافة للشريعة الإسلامية . كل هذه المصادر تورد تطبيقات لاستعمال الحق ، ذلك أنه وإن كان مصدر التجريم محدد في القانون أو بناء على القانون، فإن الأمر غير ذلك بالنسبة لمصادر الإباحة . ومن أهم تلك التطبيقات ما يلي :
        1 – حق التأديب :
        من الواضح أن هذا الحق يجد مصدره في الشريعة الإسلامية باعتبار أن للرجل حق تأديب زوجته . أما إذا كان الرجل ينتمي إلى ديانة أخرى غير الإسلام ، فإن الشريعة لا تكون مصدرا لحقه . وهنا نلجأ إلى العرف السائد بين هؤلاء القوم . فإذا كانت أعراف هؤلاء – كما هو الحال بين الأوربيين - تنكر على الرجل أن يصفع امرأته عندما ينسب إليها خطأ ، فإن الرجل لا يتمتع بسبب من أسباب الإباحة . وإذا كان الرجل مسلما والمرأة غير ذلك ، فإننا نرى أن له الحق في التأديب يستمده من الشريعة الإسلامية التي لا تستلزم موافقة من المرأة أو اتحاد الدين لكي يمارس حقه الشخصي .
        بيد أنه يلزم للاستفادة من هذا الحق التزام الرجل بالحدود المقررة في الشريعة الإسلامية لاستعمال ذلك الحق . فلا يجوز اللجوء إلى تأديب الزوجة إلاّ بالشروط التالية :
        (أ) صدور سلوك خاطئ من الزوجة . ولا يشترط جسامة معينة من الخطأ ، فقد يتمثل في عدم طاعة الزوج كالخروج من منزل الزوجية بدون إذن الزوج .
        (ب) أن يكون التأديب لازما ، فمن المتعين أن يلجأ الرجل إلى وسائل أخرى غير التأديب وهي الوعظ والهجر في المضاجع ثم الضرب ، فلا تجدي تلك الوسائل في تقويم الزوجة . فيقول تعالى " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " .
        (جـ) الالتزام بحدود التأديب : يخرج صاحب الحق في التأديب عن حدود حقه إذا تعدى فعله حدود الضرب الخفيف . فلا يجوز اللجوء إلى الضرب المبرح الذي يترك أثرا يدل على العنف الشديد . فتقوم المسئولية الجنائية إذا لم يلتزم الزوج حدود التأديب تاركا أثرًا على جسم الزوجة ولو سحجات بسيطة.

        2 – ممارسة العمل الطبي كما ان هناك عدة شروط لا بد منها لإباحة العمل الطبي



  وهنا ولاهمية موضوع الدفاع الشرعي اضفت بحث خاص حول تجاوز الدفاع الشرعي وفقاً للقانون اليمني كما يلي :-

نظم المشرع اليمني أحكام التجاوز في المادة(30) من مشروع قانون الجرائم والعقوبات الشرعية حيث نصت على أنه :( إذا تجاوز الشخص بإهماله حدود الإباحة أو الضرورة أو الدفاع الشرعي يعاقب على هذا التجاوز إذا كان القانون يحرمه بوصفه جريمة غير عمدية)
يستفاد من هذا النص ان المشرع اليمني يعتبر التجاوز في الإباحة أو الدفاع الشرعي فعلاً غير مشروع ولكن لا يعاقب إلا إذا في صورة واحد هي: تحقق التجاوز بسبب الإهمال ومتى كان القانون يعاقب عليه بوصف الجريمة غير العمدية.
يعاب على النص أن التجاوز يمكن أن يكون عمدياً أيضاً وهي صورة أشد من الصورة ولكن المشرع لم يواجهها بحكم يسرى عليه عند حدوثه وذلك نهيب بالمشرع اليمني أن يعدل من صياغة هذا النص ليشمل التجاوز العمدي وغير العمدي ولبيان قواعد التجاوز في الدفاع الشرعي ينبغي تحديد معنى التجاوز ثم بينا عناصره وأخيراً حكم القانون فيه.
معنى التجاوز:
لا يمكن تحديد مفهوم التجاوز إلا بتحديد طبيعة كل شرط من الشروط التي يتطلبها القانون لتوافر حالة الدفاع الشرعي:
فالدفاع الشرعي يتطلب توافر شروط معينة في الخطر وأخرى في رد الاعتداء وتخلف أحد شروط الخطر ينفى وجود حالة الدفاع الشرعي قانوناً فإذا كان الخطر مشروعا أو كان مستقبلا أو كان يهدد بجريمة لم ينص عليها القانون فلا نكون بصدد حق الدفاع الشرعي وإنما في نطاق عدم المشروعية والتجريم كذلك إذا لم يكن الدفاع لازماً ولم يكن موجها لمصدر الخطر فإن سبب الإباحة لا يقوم قانونا أما شرط التناسب فيفترض توافر الشروط الأخرى مجتمعة والتي يثبت بها توافر الحق في الدفاع الشرعي قانوناً(1) والتجاوز لا يتعلق إلا بشرط التناسب في فعل الدفاع الشرعي فقط ويفترض توافر الشروط الأخرى وقيام الدفاع الشرعي فإذا لم يتوافر أحد الشروط اعتبر الفعل جريمة وفقاً للقواعد العامة أما إذا انتفى شرط التناسب في الدفاع فإن الشخص يعد متجاوز لحدود الدفاع الشرعي.
وعلى ذلك فإن عدم التناسب يعنى تجاوز حدود الحق وليس انعدام ذات الحق(2) ولا يصح عد المتهم معتدياً إلا بالقدر الذي تجاوز به حقه في الدفاع بارتكابه فعلاً من أفعال القوة أكثر مما كان له أن يفعل رد الاعتداء(3)
ولا ينظر إلى عدم التناسب بين فعل الاعتداء وفعل الدفاع إلا لمناسبة تقدير ما إذا كانت القوة التي استعملت لدفع التعدي زادت عن الحد الضروري الذي استلزمة القانون ومدى هذه الزيادة في مسئولية المتهم عن الاعتداء الذي وقع منه(4).
صور التجاوز
للتجاوز صور متعددة فقد يرتكب عن عمد وفي هذه الحالة يكون التجاوز عمدياً ويحدث ذلك إذا تعمد المدافع إحداث ضرر أشد بما يستلزمه الدفاع وهذا السلوك يعتبر اعتداء معاقبا عليه بوصف الجريمة العمدية.
وقد يرتكب عن إهمال إذا خطأ المدافع في التقدير أن العدوان على قدر معين من الجسامة يحتاج في رده إلى قدر من الدفاع يزيد في حقيقة الأمر عما يلزم.
وقد يقع التجاوز بسبب لا دخل الإرادة المتهم فيه كان يرجع إلى قوة قاهرة أو حادث فجائي وهي تعنى أن الشخص العادي لو وجد في نفسه ظروف الجاني لتصرف بغير التصرف الذي حققه الجاني.
عناصر التجاوز
يقوم التجاوز قانوناً على عنصرين: الأول مادي ويتمثل في الأضرار بمصلحة للمعتدي بقدر يفوق الخطر الذي يتهدد المعتدى عليه بفعل الاعتداء.
الثاني: العنصر النفسي وهو يتعلق بالحالة النفسية للمدافع وقت اتيانه فعل التجاوز وهل كان ذلك عن حسن نية أم سوء نية.
وتقدير تجاوز الدفاع الشرعي وفي عبارة أخرى تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة فيعامل بمقتضى المادة(30) من المشروع أنما هو من الأمور الموضوعية البحتة التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها وفق الوقائع المعروضة عليه بغير معقب من محكمة النقض مادامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقيا مع المقومات والوقائع التي أثبتها في حكمها ومتى أثبتت المحكمة في حكمها ما ينفى التجاوز فإنها لا معقب عليها متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليها أما إذا استخلصت نتيجة تخالف هذه الحقيقة يكون لمحكمة النقض بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتعين.

مع تلك الحقيقة وما يقضى به المنطق والقانون.(1)
حكم التجاوز
اعتبر المشرع اليمني تجاوز الشخص حدود الدفاع الشرعي غير مشروع يدخل تحت طائلة التجريم ولكنه لم يواجه إلا صورة واحدة من صور التجاوز هو صورة التجاوز بإهمال أو عمد غير عمد ففي هذه الحالة يعاقب عليه القانون إذا كان يحرمه يوصف الجريمة غير عمدية.
ولكن يثور التساؤل هنا عن حكم التجاوز العمدي وهل يعني ذلك أن المشرع اليمني تركه لحكم القواعد العامة أم أنه لم يتصور حدوث التجاوز بطريقة عمدية إطلاقا فإن كان موقفه ينحاز إلى هذا الاتجاه الأخير فإنه يكون على غير صواب وبالتالي يجب علاج النص على نحو يشمل معه صورة التجاوز العمدي اما إذا كان يأخذ برأي الأول ويترك التجاوز العمدي لحكم القواعد العامة فإن ذلك يعنى أن فعل المتهم غير مشروع لتوافر القصد الجنائي ويعاقب عليه قانونا وفي تلك الحالة يمكن للقاضي إذا رأي ظروف المتهم تستدعي استعمال الرأفة أن يطبق الظروف المخففة عليه وحسنا فعلت لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية عندما رأت حذف كلمة "بإهماله" من النص وقد عللت هذا الحذف بأن التجاوز قد يكون عمد قصد تهور السبب حالة الدفاع الشرعي كما يكون عن خطأ ولكنها جانبها الصواب عندما قررت أنه "وفي الحالتين يكون المدافع معذورا فيسأل عن تجاوزه بوصفة جريمة غير عمدية كيف بالله يكون التجاوز عمديا ويسأل عنه المدافع بوصفة جريمة غير عمدية فإذا كان ذلك صحيحاً في حالة التجاوز عند الخطأ فكيف تبرر الحكم إذا كان التجاوز عمدياً.
ومتى تثبت أن المتهم قد تجاوز حق الدفاع الشرعي فإنه يكون مسئولاً عن تعويض الضرر الناشئ عن جريمة ويكون الحكم بالتعويض.
نقض 6/4/1959م س10ص415".

اما حالة الظروف القاهرة أو الحادث الفجائي فإن الركن المعنوي ينتفي وتمتنع المسئولية كلية ليس بسبب توافر التجاوز وإنما بسبب انتفاء الركن المعنوي للجريمة.
"شرح قانون العقوبات اليمني د/حسنى الجندي صـ302"

تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي
تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو انتفاء التناسب بين جسامه فعل الدفاع والخطر الذي هدد المعتدى عليه وذلك على الرغم من توافر سائر شروط الدفاع الشرعية أي استعمال قدر من القوة يزيد على ما كان كافيا لدرء الخطر.


حكم القواعد العامة:
فإذا انتفى التناسب فقد انتفى شرط للدفاع الشرعي فلا يكون للإباحة محل وبذلك يعد فعل الدفاع غير مشروع.
فإذا كان الخروج على حدود الدفاع الشرعي عمديا أي كان المدافع مدركا جسامه الخطر وفي وسعه رده بفعل متناسب معه ولكنه فضل اللجوء إلى قوة تزيد على ذلك فهو مسئول مسئولية عمدية كاملة.
اما إذا كان خروجه على هذه الحدود ثمرة الخطأ غير العمدي كأن حدد جسامه الخطر أو جسامه فعل الدفاع على نحو غير صحيح في حين كان في وسعه التحديد الصحيح فهو مسئول مسئولية غير عمدية.
ولا يكون محل لمسئولية المدافع إذا ثبت تجرد فعله من العمد والخطأ كما لو كان التجاوز وليد الاضطراب ودقة الموقف اللذين بلغا حد ازال كل سيطرة لإرادته عليهما وتعليل انتفاء المسئولية هو انتفاء الركن المعنوي للجريمة
حكم القانون المصري في التجاوز:
نص قانون العقوبات المصري في المادة(251) عقوبات على أنه:
(لا يعفى من العقاب كلية من تعدى بحسن نية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله أياة دون ان يكون قاصدا أحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع ومع ذلك يجوز للقاضي إذا كان الفعل جناية أن يعده معذورا إذا رأي لذلك حلا وأن يحكم عليه بالحبس بدلا من العقوبة المقررة في القانون)
موقف الفقه من معنى تجاوز حدود الدفاع
1- المقارنة بين أضرار الدفاع وأضرار الاعتداء:
يذهب جانب من الفقه أن تحقق معنى التجاوز أمر لا تجرى فيه المقارنة بين الضرر الذي منع والضرر الذي حدث منعا له وإنما يكون محل المقارنة فيه هو النظر بعين الاعتبار إلى الضرر الذي أحدثه المدافع في سبيل الدفاع وما كان في وسعه أن يحدث من أضرار أخرى.
واشترط البعض أن تكون القوة المادية المستخدمة دفاعا عن النفس أو المال متناسبه في مداها على جسامه الاعتداء فكلما زادت هذه الجسامه كلما زادت القوة المادية لدفعة والعكس بالعكس.
فإذا أثبت أن المدافع كان بوسعه رد الاعتداء أو خطره بضرر أخف من الذي تحقق بالفعل فهذا يعد إخلالا بمبدأ التناسب بين الضررين مما يتحقق معه معنى التجاوز لحدود حق الدفاع.
2- المقابلة بين وسائل الدفاع وسائل الاعتداء:
يذهب جانب أخر من الفقه إلى القول بان معنى التجاوز لا يتحقق بالنظر إلى التناسب بين الاعتداء والدفاع مجرد وانما توجه النظرة إلى التناسب بين الوسيلة التي كانت في متناول المعتدى عليه وبين الوسيلة التي استعملها بالفعل.
فينتفي الحديث عن التجاوز إذا ثبت أن الوسيلة المستعملة كانت في ظروف استعمالها أنسب الوسائل لرد الاعتداء أو كانت هي الوسيلة الوحيدة التي وجدت في متناول الدافع.
عناصر التجاوز
يقوم التجاوز قانوناً على عنصرين:
1-  عنصر مادي: يتمثل في الأضرار بمصلحة للمعتدي بقدر يفوق الخطر الذي يتهدد المعتدى عليه بفعل الاعتداء.
ولذلك فالتجاوز هو خروج عن الحدود المقررة قانوناً لجسامه الدفاع ومن أجل ذلك كان غير مشروع من الناحية الموضوعية.
2-      عنصر نفسي: يتمثل في حسن النية:
فمقتضى النية السليمة في عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو إلا يكون المدافع قد تعمد أحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع على حد تعبير المادة(251) أي أنه يكون المدافع معتقد أنه لا يزال في حدود الدفاع الشرعي وأن فعله لا يزال متناسبا مع القدر اللازم من القوة لدفع الاعتداء أو خطر الاعتداء وهذه مسألة موضوعية لا تثير صعوبة عملية.
ولا تقتضي هذه النية السليمة توافر قصد إزهاق روح المعتدى لدى المدافع فهذا القصد كما لا ينفى بقيامه توافر حالة الدفاع الشرعي فإنه لا ينفى كذلك إمكان الاستفادة من عذر تجاوز حدود هذه الحالة إذا كانت جريمة المعتدي لا تسمح بدفعها عن طريق القتال العمد أما إذا كانت الجريمة الاخيرة من الجسامه بحيث تسمح بدفعها بالقتل العمد فإن الإباحة التامة تكون متوافرة.
اما إذا كان الجاني يعلم بان دفاعه يجاوز قدر التناسب المطلوب قانونا ورغم ذلك فإنه أراد تحقيقه فإننا لا نكون بصدد التجاوز في استعمال حق الدفاع الشرعي وإنما بصدد جريمة عمدية غير مقترنة بعذر التجاوز.
وحسن النية بالتحديد السابق يختلف عن حسن النية الناشئ من الجهل بأحكام القانون المتعلقة بسبب الإباحة فالذي يقتل من دخل إلى بيت مسكون ليلاً دون مسوغ مستفاد من درجة خطورة الاعتداء معتقد أن القانون يبيح القتل في هذه الحالة دون اشتراط التناسب لا يستفيد من عذر التجاوز.
ويتعين أن يكون لهذا الاعتقاد مسوغ من الظروف المحيطة بارتكاب لفعل فإن لم يكن له مسوغا وإنما كان نتيجة وهم اصاب الجاني في تقدير جسامه الخطر فإننا نكون في إطار التجاوز وإن كان الجاني لا يستفيد من العذر استفادة كاملة.
حكم التجاوز.
1-  إذا كان التجاوز بغير نية سليمة أي كان مقترنا بالعمد فالقانون يترك حكمه للقواعد العامة وهذه تقرر أن يسأل المدافع عن جريمته عمد أو يوقع عليه العقاب المقرر لها وللقاضي ان يخفف عنه العقاب إذا التمس له ظرفا مخففاً.
2-  وإذا كان التجاوز بنية سليمة فالقانون يقرر تخفيف عقاب المدافع فيجوز للقاضي ان يحكم عليه بالحبس بدلا من العقوبة المقررة في القانون.
والتخفيف الذي يقرره القانون جوازي: فإذا قدر القاضي أن المتهم غير جدير به فله أن يحكم بالعقوبة العادية المقررة للجريمة وأن رأي جدارته بالتخفيف فله أن يطبق المادة(17) من قانون العقوبات الخاصة بالظروف المخففة ويهبط بالعقوبة في الحدود التي تقررها وإذا تبين للقاضي أن المتهم جدير بقدر من التخفيف لا تسمح به المادة(17) من قانون العقوبات فله أن يطبق المادة(251) منه الخاصة بالتجاوز المقترن بنية سليمة وهذه تسمح له أن يحكم بالحبس الذي يجوز أن يهبط إلى حدة الأدنى وهذا أربع وعشرين ساعة والحكم الذي يقرره القانون لهذا النوع من التجاوز يتضمن خروجا على القواعد العامة إذ كانت تقضى بأن يسأل المدافع عن تجاوزه مسئولة غير عمدية وتوقع عليه العقوبة المقررة لجريمته يوصفها غير عمدية أن كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف ولكن القانون يخفف العقاب دون تقيد بهذه القواعد بل ويخير أن توقع عليه العقوبة المقررة لجريمته بوصفها عمدية.
وهذا العذر القانوني يسرى على فعل المدافع دفاعا شرعيا إذا كان جناية ولا يسرى عليه إذا كان في ذاته يعد جنحة أو مخالفة لأن الجنح والمخالفات لا تعرف نظام الأعذار القانونية لانخفاض حدودها الدنيا.
أما الدفاع الشرعي كسبب إباحة فيسرى سواء أكان فعل المعتدي أو المدافع جناية أو حجة او مخالفة
3- وإذا كان التجاوز غير مقترن بعمد او خطأ فلم ينص القانون عليه تاركا حكمه للقواعد العامة وهذه تقتضى بعدم توقيع العقاب على النوع يعد من قبيل التجاوز بنية سليمة وأن العقاب المخفف يوقع من المدافع إذا لم يتوافر لجريمته ركن معنوي ولا يسوغ القول بان هذا أحله إذ لا دليل على ان الشارع قد اراد بالمادة(251) من قانون العقوبات أن يخالف أحدى القواعد الأساسية في القانون لذا فإن هذه القاعدة تقيد مطلق النص.
سلطة قاضي الموضوع بالقول بالتجاوز ورقابة محكمة النقض عليه
القول تجاوز المدافع حدود الدفاع الشرعي والقول بتوافر النية السليمة أو انتفائها وتحديد ما إذا كان المتجاوز ذو النية السليمة جدير بالتخفيف الذي تقرره المادة      (251) عقوبات أم يكفي بشأنه التخفيف الذي تقرره المادة(17)  عقوبات كل هذه الأمور من اختصاص قاضي الموضوع وفقا لما يستخلصه من وقائع الدعوى.
ولكن لمحكمة النقض أن تراقب استنتاج قاض الموضوع وقد استقر قضاء النقض على أن القاضي إذا لم ير محلا لتطبيق المادة(251) عقوبات أن يطبق المادة(17) عقوبات الخاصة بالظروف القضائية المخففة متى سلم بتوافر جميع أركان الدفاع الشرعي في الواقعة وبحدوث مجرد تجاوز للقدر اللازم لدفع الاعتداء.
وتطبيق المادة(251) عقوبات والحكم بعقوبة الجنحة عليها ينبغي القول بأن الواقعة تظل محتفظة بوصفها الأصلي كجناية وتعامل على هذا الأساس في شان كافة الآثار الإجرائية والموضوعية التي قد تتوقف على نوع الواقعة جناية كانت أم جنحة مثل تقادم الدعوى والعقوبة والاختصاص وإجراءات المحكمة وطرق الطعن في الأحكام.
من تطبيقات محكمة النقض بشان تجاوز حق الدفاع الشرعي.
110- أن حق الدفاع الشرعي قد قرر بالقانون لدفع كل اعتداء مهما كانت جسامته وتناسب فعل الدفاع مع الاعتداء لا ينظر فيه إلا بعد ثبوت قيام حالة الدفاع الشرعي فإذا ثبت قيام هذه الحالة وتحقق ذلك التناسب حقت البراءة للمدافع وأن زاد فعل الدفاع على الاعتداء وكانت الزيادة غير مقبولة عدا لمتهم متجاوز حق الدفاع وحق عليه العقاب في الحدود المبينة في القانون فإذا كان ما أورده الحكم لا يعدو التحدث عن عدم التناسب بين الفعلين ما وقع من الطاعن وما وقع من غريمة وليس فيه ما يؤدي إلى نفى قيام حالة الدفاع الشرعي حسبما هي محددة فيما سبق بيانه فإنه يكون قاصرا قصوراً يعيبه بما يستوجب نقضه
طعن رقم505 سنة21ق جلسة24/12/1951م

111- مادامت المحكمة قد نفت قيام حالة الدفاع الشرعي فلا يكون هناك وجه لما يشكو منه المتهم من عدم بحثها في امر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي إذا التجاوز لا يكون له وجود إلا حيث تكون حالة الدفاع الشرعي قد توافرت.
طعن رقم798 سنة25ق جلسة5/12/1955م
الدفاع الشرعي في الفقه والقضاء د/عبد الحميد الشواربي


تجاوز حد الدفاع
إذا استعمل المدافع قوة اكثر مما تقضى الضرورة لدفع الاعتداء فهو مسئول فعله الذي تعدى به حد الدفاع المشروع فإذا كان الصائل يندفع بالتهديد فضربه فهو مسئول عن الصرب وإن كان يندفع بالضرب باليد فجرحه فهو مسئول عن الجرح وإن كان يندفع بالجرح فقتله فهو مسئول عن القتل وإن هرب الصائل بعد أن جرحه فاتبعه المدافع وجرحه مرة ثانية  فهو مسئول عن الجرح الثاني وإن عطل مقاومته ثم قطع بعد ذلك يده أو رجله أو قتله فهو مسئول عما فعله بعد تعطيل المقاومة وهكذا يسأل المصول عليه عن كل فعل لم يكن لازما لدفع الاعتداء.
وبين الاعتداء والدفاع ارتباط وثيق لأن الدفاع يتولد عن الاعتداء فإذا بدأ الاعتداء بدأت حالة الدفاع وإذا انتهى الاعتداء فقد انتهت حالة الدفاع ومن ثم لا يعتبر المصول عليه مدافعاً إذا انتهى الاعتداء ويسأل عن كل فعل يقع منه بعد انتهاء الاعتداء.
ولكن لا يعتبر الاعتداء منتهياً إذا هرب الصائل وأخذ معه المال المصول عليه فللمدافع أن يتبعه حتى يسترد منه ما اخذه وان يستعمل معه القوة اللازمة في استرداده فإن لم يكن إلا القتل لإمكان استرداد الماخوذ قتله والأصل في أفعال الدفاع أنها مباحة ولا عتاب عليها ولا عقاب عليها ولكنها إذا تعدت الصائل وأصابت غيره خطأ فالفعل الذي وقع على الغير لا يعتبر مباحاً إذا أمكن نسبة الخطأ والإهمال إلى المدافع فمن أراد أن يضرب الصائل فإخطأه وأصاب غيره فجرحه أو قتله فهو مسئول عن جرح هذا الغير او قتله خطأ ولو أنه تعمد الفعل إذا لفعل في ذاته مباح على الصائل ولكنه وقع على الغير خطأ وتشبه هذه الحالة ما إذا أراد إنسان أن يصيد صيدا فأخطأه وأصاب شخصاً فالصيد ذاته عمل مباح ولكن الصائل يسأل عن إصابة الشخص خطأ.
التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون
الوضعي د/ عبد القادر عودة صـ486،487
                                                                

(1)  تطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن البحث في تجاوز حدود الحق في الدفاع الشرعي لا يكون إلا بعد أن ينشأ في ذاته نقض15/1/1960م.
(2)  نقض 3/3/1941م
(3) نقض 31/6/1942-5/12/1955م
(4)  نقض 11/11/1956م
(1)  نقض 11/6/1975م




الفرع الثاني. _ أثر الدفاع المشروع

متى توافر حق الدفاع المشروع والتزم المدافع قيوده كانت الجريمة التي أقدم عليها الفاعل مبررة ، وتصبح بذلك عملاً مشروعاً لا تقوم من أجله أي مسؤولية لا جزائية ولا مدنية . وبناء على الطبيعة الموضوعية لأسباب التبرير،  فإن أثر الإباحة يمتد الى أي فعل مرتبط بالفعل الاصلي، بحيث يصير بدوره مباحاً كما لو استعمل المدافع في دفاعه سلاحاً مرخصاً، فتمتنع مسؤوليته ومصادرته.

كذلك يستفيد من هذا الأثر جميع المشاركين في الجريمة، سواء علموا او لم يعلموا بتوافر حالة الدفاع المشروع.

أما في حال أفرط المدافع في الدفاع، أي تجاوز حدوده ، فلا يكون في حالة الدفاع المشروع ، ويزول تبعاً لذلك السبب التبريري الذي يزيل الصفة الجرمية عن الفعل ، فيُسأل عن فعله مسؤولية قصدية في حال كان التجاوز مقصوداً  أو مسؤولية غير قصدية في حال كان التجاوز بالخطأ من دون قصد.

غير أنه يمكن في هذه الحالة أن يُعفى المدافع من العقاب إذا  ما تبين أنه أقدم على الفعل ( فعل الدفاع المشروع) في ثورة انفعال شديد  انعدمت معها قوة وعيه وإرادته .ولكن لا يكون لهذا الاعفاء من العقاب أي مفعول تجاه مسؤوليته المدنية ، ويلزم بالتعويض للمتضرر.

انطلاقاً مما تقدم ، نستعرض في هذا الصدد ، المساس غير القصدي بحق الغير ( الفقرة الاولى ) والاضطرار للمساس بحق الغير (الفقرة الثانية ).




الفقرة الاولى. – المساس غير القصدي بحق الغير

قد يخطى المدافع رغم توافر شروط الدفاع فيصيب شخصاً غير المعتدي كان يعتقد أنه هو مصدر الاعتداء ، كما لو تعرض لهجوم  في الظلام فأطلق النار على من يسير خلفه ظناً منه أنه المعتدي الذي يكون قد هرب . وقد يخطئ أيضا في التصويب فيقع الفعل على أحد المارة . في هاتين الحالتين يتوافر خطأ جزائي غير مقصود في حق المدافع ، الا إذا كان خطؤه هذا مبنياً على أسباب معقولة لا سيطرة لإرادته عليها ، عندها لا مسؤولية عليه والفعل يكون مبرراً .

الفقرة الثانية. – الاضطرار للمساس بحق الغير

أما إذا وجد المدافع نفسه مضطراً للمساس بحق الغير كي يتمكن من الدفاع عن نفسه ، كما لو استولى على مسدس الشرطي للدفاع عن نفسه ضد المعتدي ، أو أتلف واجهة محل لبيع أسلحة الصيد ليأخذ بندقية يدافع بها عن نفسه . فالقاعدة أن هذه الافعال غير مبررة لأنها لم توجه الى مصدر الخطر ، ولكنها تشكل أسباباً لحالة الضرورة متى توافرت شروطها وخاصة كون الخطر جسيماً .

الفرع الثالث. – الصور الخاصة للدفاع المشروع

أورد لكم صورتين  توضح الدفاع المشروع  وهما :

الدفاع بالقوة ضد السارق بعنف ، وضد سرقة المنازل الآهلة ليلاً.

1 فعل من يدافع عن نفسه أو عن أمواله أو عن نفس الغير او عن أمواله تجاه من يقدم باستعمال العنف على السرقة أو النهب.

2 الفعل المقترف عند دفع شخص دخل او حاول الدخول ليلاً الى منزل آهل أو الى ملحقاته الملاصقة بتسلق السياجات او الجدران او المداخل أو ثقبها أو كسرها أو باستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة .............."
 وقد أعفى فيهما من شرط التناسب بين الدفاع والخطر ، وأباح للمدافع استعمال حقه في الدفاع المشروع ولو بالقتل .وذلك بالاستناد الى وجود قرينة قصد المعتدي ارتكاب جريمة على النفس ، فيعفى المدافع من إثبات توافر شروط الدفاع المشروع، ويكفي إثبات إندراج فعله




تحت أحد هاتين الصورتين الواردتين تحت عنوان " العذر في القتل والإيذاء ". لكن هذه القرينة غير مطلقة . فيحق للمجني عليه إثبات أنه كان بإمكان المدافع دفع جريمة السرقة بجريمة أخف أو إثبات علم المدافع بعدم رغبته باقتراف أي جريمة ، فيصبح المتذرع بالدفاع المشروع مسؤولاً عن الجريمة التي اقترفها بحجة هذا الدفاع ، كعلم صاحب المنزل أن من دخل حديقة منزله ليلاً بتسلق جدارها ، لم يكن يقصد السرقة او أي اعتداء أخر ، بل كان يعلم أن المجني عليه كان عشيق خادمته وأنه دخل للقائها ، فلا يمكن في هذه الحالة التذرع بالدفاع المشروع لتبرير جريمة الايذاء  التي ارتكبها صاحب المنزل .

وهاتان الصورتان على النحو التالي، الدفاع بالقوة ضد السارق بعنف ( الفقرة الاولى ) والدفاع بالقوة ضد المتسلل ليلاً الى المنازل ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الاولى – الدفاع بقوة ضد السارق بعنف

تفترض هذه الصورة أن يفاجأ صاحب المال بلص يحمل سلاحاً أثناء الشروع في السرقة أو الاستمرار فيها ، فيقدم صاحب المال على الدفاع ضده عن طريق القتل أو الإيذاء.

وعلة تبرير القتل ضد السارق المسلح هي الخشية من استعمال العنف بوجه المعتدى عليه. فإذا كانت السرقة هي الأساس لا تبيح القتل ، الا أن الخشية من استعمال السارق للعنف وما يترتب عليه من أخطار شديدة ، تبيح للمدافع اللجوء الى القتل دفاعاً عن النفس والمال.

الفقرة الثانية – الدفاع بالقوة ضد المتسلل ليلاً الى المنازل

تفترض هذه الصورة مشاهدة صاحب المنزل من يحاول الدخول ليلاً الى منزله المسكون أو أحد ملحقاته ، عن طريق وسائل غير عادية للدخول ، وهي التسلق او ثقب الجدران او كسرها او استعمال أدوات خاصة ، مما يثير الخوف لدى صاحب المنزل من خطر شديد يتهدده.

وعلة النص الذي تمّ ذكره آنفاً ، تقدير المشرع أن حائز المنزل على حق ، حين يعتقد أن شراً غير معروف مداه يحدق به ، لذلك أجاز له القانون اللجوء الى القوة لدرء الخطر الذي يخشاه.

ويشترط لتبرير هذه الحالة توافر ثلاثة شروط هي :

أولاً – أن يكون الدخول او المحاولة فيه الى المنزل آهل او احد ملحقاته . فالنص مقتصر على المنزل الآهل او المسكون دون غيره من الاماكن المسكونة كالفنادق والمستشفيات . ويراد بالمنزل الآهل المسكون فعلاً، إذ لا يكفي أن يكون معداً للسكن ، ولكن لا يشترط أن يكون بالمنزل سكان بالفعل ، فيجوز للغير او لصاحب المنزل إذا كان خارجه وشاهد شخصاً يتسلق منزله ليلاً أن يرد الاعتداء بالقتل .

ثانياً – أن يكون التسلل ليلاً ، فدخول المنزل نهاراً لا يبرر وحده القتل طالما لم يرافقه استعمال العنف من المعتدي وإلاّ خضع لحكم الصورة الاولى، غير أن المشرع لم يجردْه من أي أثر فأفاد المدافع من عذر مخفف للعقاب .

. ثالثاً – ان يكون التسلل الى المنزل او ملحقاته بوسائل غير عادية للدخول حددها النص وهي التسلق للسياجات او الجدران  أو المداخل ، أو ثقبها أو كسرها أو استعمال المفاتيح المقلدة أو أدوات أخرى .

(*)   قد تكون الحكمة أن مثل تلك الاماكن يسكنها عدد من الناس بإمكانهم التعاون لرد الاعتداء بغير القتل.


(*)  قضي في مصر بأنه اذا كان الثابت أن المجني عليه تسلق جدار منزل المتهم ليلاً ليدخل فيه ، وأن المتهم حين شاهده على هذه الحالة وهو فوق السطح أطلق عليه المخزون الناري بقصد قتله، فإنه لما كان الاقدام على تسلق جدار المنزل تتوافر فيه بلا شك جميع معاني الدخول في المنزل، ثم لما كان نص المادة في عبارة صريحة ان يكون الدخول بقصد ارتكاب جريمة او فعل اخر من افعال الاعتداء . هذا مفاده بالبداهة أن القانون يعتبر ان الدخول الى المنازل ليلاً بتلك الطريقة يحمل في ذاته قرينة الاجرام ، بحيث يصح لصاحب الدار ان يعده اعتداء على المال او فعلاً يتخوف منه الاذى ، ويحق له رده كما ترد سائر الاعتداءات ( نقض جنائي مصري ، 25-12-1944 ، مجموعة القواعد القانونية ، ج 6 ، رقم 437 ، ص 572 ).



أو إذا حصل الدخول الى المنزل أو ملحقاته بطريقة عادية ، كوجود فجوة في سياج البستان دخل منها المعتدي ، فلا محل للاحتجاج بالدفاع المشروع .

ختاماً ، إن حق الدفاع المشروع كما أوضحنا يشكل استثناء على مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات ، فهو سبب للتبرير العام ، وحق موضوعي مطلق لجميع الأفراد يبيح لهم اقتراف الجريمة استثناء من الأصل العام الذي يمنعها ، وذلك لدرء الاخطار التي تهددهم في وقت تكون فيه الدولة غائبة ، تغليباً لمصلحة المعتدى عليه على مصلحة المعتدي الذي أهدر حماية القانون له بخروجه على قواعده.